السيتي

الصحافة التي نستحق

خلال هذا الأسبوع احتفلنا باليوم الوطني للصحافة، يحق لنا أن نقوم بوقفة مع الذات كمهنيين ممارسين بالمهنة وكفاعلين بقطاع يمتلك حساسية كبرى وعليه رهانات أكبر وأمامه تحديات أخطر، هل وصلنا فعلا إلى صناعة الصحافة التي يحتاجها المغرب ويستحقها المغاربة في الزمن الراهن؟ هل جسمنا الإعلامي نضج أكثر وتأهل مهنيا؟ هل أصبحنا أكثر انتشارا من قبل؟ وما لون المستقبل الذي ينتظرنا؟

أسئلة كثيرة تطرحها الصحافة الوطنية في شقها المكتوب، السمعي والبصري والإلكتروني.. القادم الجديد الذي أحدث زلزالا لدى المطمئنين من الفاعلين التقليديين في الصحافة المغربية، وليس في مقدور هذا العبد الضعيف والمساهم بشكل متواضع في الصحافة الوطنية اليوم أن يدعي بشكل طاووسي القدرة على الإجابة عليها بما يشفي غليل المتتبعين وانتظارات القراء، ولكن سأساهم من وجهة نظري في ما يبدو لي إجابات ممكنة حول إشكالات راهنة في حقلنا الصحافي.

لا أحد يمكنه أن ينكر ما أنجز خلال العقد الأخير على الأقل من عمر التجربة الصحافية التي عشت في قلب التباساتها، تنسمت من نعيم حريتها وذقت جحيم نيرانها، فلقد تطورت المقاولات الصحفية الحقيقية برغم كل العوائق المنتصبة في قلب الواقع الاقتصادي وتطورت جودة المنتوج الإعلامي وأصبح سؤال المهنية وثنائية الحرية والمسؤولية تطرح بيننا كمهنيين بدون عقد أو خلفيات سياسية، وكان العقد البرنامج والاتفاقيات الجماعية، وتقدمت الترسانة القانونية لتستوعب الإشكالات الجديدة التي فرضها تطور المشهد الإعلامي في المغرب، وأنهينا جزئيا مع احتكار الدولة للإعلام السمعي البصري فكانت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري… لكن كل ذلك كما لو أنه جاء في زمن الخريف إذ كانت على حساب المضمون النبيل للصحافة والقيم الأساسية للإعلام، فمن جهة أضحت الحرية في الحقل الإعلامي ملتبسة وحدودها أشبه بألغام حرب التي تظل تهدد السلامة الجسدية وأرواح الناس حتى بعد انتهاء الحروب، بحيث يمكن أن تعتقد بأنك حر في إنتاج المعلومة وتلقيها لكن لا تعلم ما هو المدى الذي يمكن أن تصله هذه الحرية دون أن ينفجر في وجهك أو تحت أقدامك أي لغم، إنها الحرية المحروسة.

لا حياة للصحافة خارج المقروئية ، وهنا تطرح أسئلة حول تبدل القيم في المجتمع المغربي وتداخل الفاعلين وتعدد المسؤوليات في تراجع المقروئية بشكل ملفت للانتباه خاصة في مجال الصحافة المكتوبة.

لماذا لا يقرأنا المغاربة اليوم؟ ومن المسؤول؟ هل نحن كصحفيين وما نقدمه كمنتوج إعلامي؟ المدرسة والجامعة التي لم ترسخ عادة القراءة؟ المجتمع وغياب عادات وتقاليد إدخال الجريدة إلى المنزل؟ مهما كانت الإجابة لماذا لم يتحرك كل الفاعلين لدق ناقوس الخطر والبحث عن الحلول الناجعة قبل أن يفوت الأوان؟

في ظل العقد الأخير تقوت مقاولات صحفية وانهارت أخرى أو ترهلت وانطلقت مقاولات واعدة، وهنا يطرح البعد الاقتصادي وشفافية التدبير ومعايير توزيع سوق الإشهار الذي تراجع مع الأزمة العالمية …

منذ مدة طويلة كان يبدو سؤال المهنية كما لو أنه محاولة لتكميم أفواه الصحفيين، تضعه الدولة لتبرير هجومها على الصحافة المستقلة، لقد حدث تقدم ملموس حيث أصبح الصحفيون أنفسهم يبحثون في أخلاقيات المهنة ويستحضرها الكثيرون منهم في تحرير مقالاتهم، لكن بالمقابل أيضا هناك الكثير من التسيب في مجال المس بحميمية الناس وإدانة الأبرياء من المتهمين قبل أن يقول القضاء كلمته، لقد أصبحت الحاجة ماسة إلى تجاوز الانزلاقات التي تنبت هنا وهناك من طرف بعض من يقترف مهنة الصحافة، وذلك من أجل إعادة الاعتبار لمصداقية الصحافة لاسترجاع موقعنا كأداة مراقبة على الفاعلين في مختلف المجالات.

من حقنا أن نتساءل اليوم عن مجال لا يبحث فيه الصحفيون والمهتمون بحقل الإعلام: ما هي الوظيفة التي تطرح اليوم على عاتق الصحفي؟ هناك غموض والتباس كبير من جراء هذا اللاتحديد، يستكين إليه الصحفيون ولا يفكر فيه كل من تربطهم علاقة بالصحافة اليوم، هناك تواطؤ على غموض دور ووظيفة الصحفي خارج القيم الكونية المعروفة للإعلام ودوره في نقل الأخبار والمعلومات للقراء.

البعد الثاني لهذا السؤال، أي صحافة يستحقها المغرب والمغاربة في هذه اللحظة من تطور المجتمع المغربي؟ أعتبر هذه هي الأسئلة إذا لم نجب عنها بدقة فلا تغيير القوانين ولا تجويد المنتوج من الناحية المادية أو التقنية ولا تقوية المقاولات الإعلامية ولا تحسين الشروط الاقتصادية ولا الاجتماعية للمشتغلين في حقل الإعلام… تستطيع أن تقدم لنا صحافة حقيقية يستحقها المغاربة.

هذا فعلا إن كنا نريد صحافة حقيقية تعيش في تناغم تام مع مجتمع حي يريد أن يرى نفسه في المرآة.. في انتظار الحلم.. عيد سعيد لكل الزملاء.

*نشر بـ شوف تيفي

اظهر المزيد

جرسيف سيتي

موقع إخباري مستقل، يهتم بالشأن المحلي والوطني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى