الرگاگنة : الإعتماد على نفس الوجوه في التلفزيون يقتل الإبداع ووالدي ضربني للإبتعاد عن الفن
حاوره محمد أزروال
نلتقي في هذا الحوار مع أحد الوجوه الفنية المغربية الشابة التي راكمت تجربة طويلة في الميدان الفني واستطاعت أن تصنع لها جمهورا خاصا بها.إنه إبن مدينة سلا الذي بدأ الفن وهو طفل صغير و درس المسرح واشتغل في التمثيل و الإخراج و الإنتاج…
على المستوى الإنساني هو فنان متواضع وبسيط ويحظى بالإحترام من طرف زملائه وهذا ما ينعكس على اعماله الإبداعية التي ينتيقها بعناية.
إنه الفنان المتميز عبد الكبير الركاكنة الذي حاولنا أن نلامس جانبا من حياته وأن نستفز أفكاره ليفصح لنا عن رؤيته للشأن الثقافي بالمغرب وكذا تعبيره عن مشاكل الفنان ما بين قلة فرص الإشتغال و إكراهات تأخر تنزيل مضامين القانون المنظم. كما أنه يتحدث لنا عن أشياء أخرى كما يراها هو بعد دراسة و اشتغال بالميدان لمدة تفوق الثلاثة عقود من عمره الذي وهبه للفن لأداء رسالته التي يؤمن بها.
☆☆☆
الفنان عبد الكبير الركَاكَنة حدثنا أولا عن بدايتك الفنية؟
أول صعود لي على خشبة المسرح كان سنة 1978 و أنا طفل صغير من خلال أدائي لدور البطولة في مسرحية “سراب و حقيقة” والتي تعالج قصة طفل متشرد يتعاطى جميع أنواع المخدرات،فيجد نفسه في النهاية وحيدا بعدما تخلت عنه الأسرة ،فيبدأ في محاكمتها.هي سرحية جميلة جدا وأذكر أن والدي كان حاضرا أثناء عرضها وحينما رآى تصفيقات الجمهور و إشادته بي وتسميتي بـ”الطفل الظاهرة”،أخذني بعيدا عن قاعة العرض بمدينة سلا وضربني على خديّ صفعتين قويتين،وحذرني من العودة الى المسرح مرة أخرى تحت طائلة التهديد،وهكذا كان..حيث تابعت دراستي وأنهيتها ودرست بعدها المسرح لتبدأ قصتي مع التمثيل والإخراج من خلال مسرحيات “تشيكوف”،”حدّكْ تْمّْ” و” الوزيعة”.هذة الأخيرة كانت نصّا ضمن نصوص أهداني إياها الكاتب العراقي المعروف محيي الدين زنكنة خلال زيارتني الى العراق سنة 1988،حيث كانت تسمى في الأصل “العلبة الحجرية” فقام باقتباسها المؤلف عبد المجيد فنيش و أخرجتها وكان عملا متميزا حظي بكتابات نقدية جيدة في عدة منابر إعلامية من بينها جريدة القدس العربي اللندنية،ولاقى إعجاب الجمهور خلال الجولات التي قادتنا الى عدة مدن.ومن الذكريات التي بقيت عالقة بذهني هي أنني جسّدت المسرحية بنفس القاعة التي قمت فيها بأداء أول دور لي وعنّفني على إثره الوالد الذي كان حاضرا لمشاهدة العرض أيضا،وفي نهاية المسرحية طلبت من الجمهور أن يحيّي شخصا عزيزا على قلبي وأعدت سرد الحكاية التي حصلت معي قبل عشرين عاما،وقلت لهم بالحرف: ” دابا عاد عرفت علاش ضربني الوالد”،لقد ظن أن إبنه أصبح فعلا متشردا ويتعاطى المخدرات، ولم يكن يعلم حينها أني صادق في أداء الدور.فبكى الوالد وصفق له الجمهور بحرارة ومنذ ذلك الحين والى الآن هو متابع لأعمالي كلّها.
أنت وجه شاب ومحبوب عند الجمهور و أعمالك متميزة ربما يرجع ذلك الى حرصك على احترام ذوق المشاهد،هل هذه الأعمال تنتقيها بنفسك أم تأتي صدفة؟
لا..ليس هناك أية صدفة في الموضوع،فأنا رفضت مجموعة من الأعمال لأنني أحترم جمهوري وأحترم مساري المهني،وأي عمل يعرض عليّ أقوم بقراءة تفاصيله وأتعرف على القضية التي يعالجها قبل رفضه أو قبوله.
(مقاطعا) ولكن في ظل قلة الإنتاجات والعروض الفنية على الساحة،كيف يستطيع الممثل الجاد أن يستمر في الميدان الفني؟
حقيقة هي معادلة صعبة،وأقول بأن الفنان في المغرب إذا أراد الإختيار بين الأعمال لن يشتغل إطلاقا و لن يستطيع العيش بالنظر لفرص العمل القليلة،وتبعا لذلك فأنا أخذت زمام المبادرة في تكوين فرقة مسرحية سنة 1999 وإنتاج أعمالي بنفسي،والآن مؤسسة “مسرح الحال” أصبح لديها رصيد فني كبير من الأعمال المسرحية، و الجمهور المغربي داخل أرض الوطن أو بالخارج يتتبع مسارها الإبداعي.
هل واجهتك إكراهات عند تأسيس الفرقة أو خلال مسارها الفني؟
بلى.عانينا صعوبات مادية جمّة ولا زلنا نعاني..غير أن حبنا للفن يجعلنا نًضحّي من أجله،فأنا أقول دائما لنفسي بأنه يجب عليّ تحمل مسؤولية اختياري سواء نجحت أم فشلت ،لأنه لدي رسالة نبيلة تجاه مجتمعي والتي أريد من خلالها طرح مجموعة من القضايا،وهذا هو دور الفنان الحقيقي.
سي عبد الكبير أنت فنان موهوب و لديك كاريزما لكنك قليل الظهور على الشاشة الصغيرة لماذا؟
بالعكس أنا اشتغلت في عدد من الأعمال التلفزيونية،وفي الآونة الأخيرة أنا حاضر في البرنامج الإجتماعي التشخيصي “مداولة”.ربما الظهور بكثرة هو سلاح ذو حدّين،قد يرفع صاحبه الى الأعلى وقد يسقطه الى الأسفل،والمجال الحقيقي للفن ومقياس الفنان كيفما كان نوعه هو المسرح و السينما لأن الجمهور هو الذي يأتي عندك و يختارك و لست أنت من تذهب عنده و تقتحم بيته بدون استئذان كما هو الحال عبر الشاشة الصغيرة،والظهور المتكرر صباح مساء في التفزيون ليس مقياسا للنجاح ويمكن أن يقضي على الفنان،وأنا أقول دائما بأن الفنّانين الكبار هم قليلي الظهور في الشاشات الصغيرة.
لماذا لا يمكن القول بأن الوسط الفني تحكمه العلاقات أكثر من أي شيئ آخر؟
نعم هذا لا أنكره،لأنه ليست لدينا صناعة إبداعية وثقافية بل هناك محاولات قليلة فقط،الشيئ الذي يفرز ما يسمى بـ”monopole” )إحتكار)،وكل واحد يشتغل مع مجموعة من الفنانين يعرفهم،وهذا إقصاء لآخرين موهوبين ومنهم من حصل على جوائز.لذلك على المنتجين والمخرجين ألا يفرضوا وجوها معينة لتحتل الشاشات في كل الأوقات،وأن يوفروا جوا تتكافؤ فيه الفرص مما يساهم في خلق منافسة شريفة ستمكن من تطوير أعمالنا الإبداعية.فالإعتماد على نفس الوجوه يقتل الإبداع و التطور.
في السنين الأخيرة أصبحنا نرى عناية مهمة من طرف الدولة و الوزارة الوصية للشأن الثقافي و الإبداعي الفني،هل ظهرت نتائج هذا الدعم على أرض الواقع؟
عندنا اليوم صناديق دعم مهمة أفرزت لنا كَمّا مُهّما من الأعمال،لكن القليل منها من نلمس فيه الجودة ويتوفر على مواصفات العمل المتكامل،وحاليا لا يمكن الحديث عن الكيف في انتظار أن نتوفر على صناعة سينمائية..
(مقاطعا) هل تبدو هذه الصناعة في الأفق أم هي مجرد أماني؟
بات من الضروري أن تكون،لأننا نشهد ولادة عدد من مشاريع قوانين خاصة بالمجال الفني وهي التي يمكنها أن ترسم معالم خارطة طريق للعمل في الميدان.
بمناسبة حديثك عن التشريع،أي وصل قانون الفنان والمهن الفنية؟
القانون المعدّل كما تعلم صدر في الجريدة الرسمية أواخر سنة 2016،ونحن نطالب بتنزيل مضامينه على أرض الواقع من خلال مراسيم تنظيمية خلال الولاية الحكومية الحالية لكي يستفيد منه الفنان بشكل واضح ،لأن الجديد الذي جاءت به التعديلات التي طالت القانون هو تنظيم العلاقة الشغلية بين الفنان والمنتج و التي تضمن حقوقه.وهي في الحقيقة ضمان لحقوق الطرفين مادام أن العقد هو شريعة المتعاقدين،وبذلك نكون قد قطعنا مع الوضع الحالي الذي يتسم بعقود الإذعان التي يفرضها الطرف القوي من جانب واحد.وفي هذا الصدد أشدّد على ضرورة خروج النص التنظيمي المتعلق بالعقد النموذجي الذي يناقش حاليا في إطار المفاوضات الجماعية بين كافة الفرقاء والذي سيمكن الفنان من حد أدنى للأجر وفق مقتضيات مدونة الشغل.
الفنان عبد الكبير الركاكنة بعد خوضك لتجارب التمثيل و الإخراج و الإنتاج،أي المجالات تَنكبُّ عليها حاليا لإبراز عمل جديد؟
أنا الآن بصدد الإشتغال في فيلم طويل أتمنى أن يرى النور خلال نهاية السنة الجارية أو بداية سنة 2018 إن شاء الله على أبعد تقدير.