أخبار الساعة

جماعة بركين: هجرة مستمرة..أمام صعوبة العيش وغياب المرافق الخدماتية

تتعايش ساكنة جماعة بركين بدواويرها النائية مع مشكل غياب خدمات مؤسسة بريد المغرب، بعد إقدام مسؤولي هذه الأخيرة على إغلاق مصلحتها بمركز بركين منذ حوالي عامين، دون توفر بديل خدماتي آخر ييسر على الناس حياتهم اليومية.

فبالإضافة الى صعوبة توصل المرتفقين بطرودهم البريدية الإدارية المختلفة وتعرضها للإهمال والضياع، صار لزاما عليهم التنقل الى مدينة جرسيف كأقرب وجهة للحصول على معاش هزيل أو التوصل بحوالة مالية من طرف الأبناء المشتغلين في المدن الأخرى، أو لإرسال مبلغ مالي بسيط الى الأبناء المتمدرسين، وما يتطلبه ذلك من مجهود جسدي، وزمني مضاعف، ولمسافة تفوق 100 كلم عبر وسائل النقل غير المرخص، وزيادة عبئ مصاريف العملية، التي تفوق أحيانا المبلغ المراد التوصل به، أو استخلاصه أو إرساله.

وفي هذا الصدد يقول إمام  مسجد زاول بتراب الجماعة في وقت سابق: ” كنت أذهب الى مدينة جرسيف لأستخلص مبلغ 200 درهم في الشهر كتعويضات عن التكوين المستمر النصف شهرية بمركز الجماعة، فأغيب عن المسجد لمدة يومين الى ثلاثة أيام وأصرف نصف المبلغ المستخلص وأقفل عائدا”.

من جانبه يقول أحد الآباء المستفيدين من برنامج “تيسير” للدعم المدرسي،” في كل عملية مالية كان يفرض علي التنقل الى المدينة في وقت محدود في الزمن، للحصول على تلك المستحقات، وعلي أن أترك ماشيتي ليومين على الأقل بلا رعي، وحينما أصل أجد طابورا طويلا للمرتفقين ينتظر دوره، وفي أحيان كثيرة أفضل التخلي عن تلك المستحقات بمرارة”.

مشكل إغلاق مصلحة البريد التي ظلت المرفق الخدماتي الوحيد بالجماعة منذ عقود، جعل مسؤوليها يفكرون في إرسال شاحنة خدماتية متنقلة بعض أيام السوق الأسبوعي إبان فترات أداء مستحقات “تيسير”، لكن ذلك الحل اختفى بدوره أيضا بعد تجربة قصيرة، رغم أنه لا تستفيد منه إلا نسبة قليلة من مرتادي السوق الأسبوعي، وفي ظروف انتظار مزرية.

في سياق متصل، لا يخفي المواطنون الذين تحدثوا الى جرسيف سيتي، تذمرهم من غياب وسائل تعبئة بطاقات العداد الكهربائي، أو أداء فواتير الكهرباء، وإعراضهم عن الذهاب الى مدينة جرسيف لأداء فاتورة بقيمة 50 درهم أحيانا والتي تكلفهم الرحلة الواحدة أكثر من 100 درهم، مما رفع مبالغ الفواتير غير المؤداة لدى أغلب المستهلكين الى مستويات يصعب أداؤها دفعة واحدة، الأمر الذي يجعلهم عرضة لقطع التيار الكهربائي من طرف أعوان مصلحة الكهرباء بدون سابق إنذار، ليتركوا متخبطين لوحدهم في أعالي الجبال.

وتفاقمت وضعية الشك التي تراود الساكنة في التمسك بالبقاء في تراب الجماعة، حيث تشير إحصائيات غير رسمية لطلبة جامعيين، الى هجرة أسرتين الى أربع أسر في الشهر من الدواوير، كمعدل، منذ ما يزيد عن حوالي عقد من الزمن، والتي تسارعت وتيرتها خلال العامين الأخيرين، بفعل البحث عن حياة أفضل، وعن معاناة أقل. الشيئ الذي خلق واقعا مزريا جديدا من السكن العشوائي بضواحي مدينة جرسيف، ومركز تادرت على وجه التحديد.

بدوره مركز بركين الذي كان يضم ساكنة تفوق 70 منزلا (أغلبهم من الموظفين والأجراء)، فقد خلال أربع سنوات فقط، ما يفوق الثلثان من قاطنيه، بفعل اختيارهم الانتقال بأسرهم الى الحواضر والمدن، وخاصة مدينة جرسيف، أمام صعوبة وجود مسكن لائق، واستحالة تشييد سكن على وعاء عقاري تابع لأملاك الدولة، وهو العائق الأبرز الذي يعرقل مشكل التنمية بالمركز، ويهدده بالإفراغ الحتمي، بسبب قلة المباني المعدة للسكن، والتي شيد أغلبها إبان الاستعمار، ناهيك عن وجودها في وضعية مهترئة وآيلة للسقوط.

مشاكل لا حصر لها يعانيها المواطن البركيني، تجعل أشد المتمسكين بفكرة البقاء، يفكرون ألف مرة قبل إقدامهم على إتخاذ قرار بناء مسكن جديد وفق المعايير الحديثة في مختلف الدواوير، أو تجديد مسكنهم التقليدي وإصلاحه على الأقل، أمام تعقد الإجراءات العقارية المسطرية، وارتفاع تكلفة البناء، وعدم وجود حافز للبقاء، في ظل واقع تغيب فيه غياب أبسط مقومات العيش، خصوصا ما تعلق بالطرق، ووسائل النقل، والخدمات المرفقية. هذا بالإضافة الى غياب الأنشطة التجارية المدرة للدخل، والتي كان توفرها سيعين على الأقل، على أداء المصاريف الخدماتية المستجدة (فواتير الماء، الكهرباء، مصاريف المكالمات الهاتفية..إلخ). هذا كله في ظل تراجع منسوب المياه الجوفية، والمجاري المائية، وتقلص الغطاء النباتي، بسبب القطع الجائر، وتوالي سنوات الجفاف، والتي ظلت الى عهد قريب، عوامل طبيعية تساعد على امتهان الزراعات الموسمية، وتربية الماشية، والنحل، وتحقيق الاكتفاء المالي الذاتي المعيشي.

وضع مقلق تعيشه الجماعة القروية، رغم قيام الدولة بمجهود كبير مطلع العشرية الثانية من الألفية الجديدة، خصوصا في ما يتعلق بالتمدرس، بتشييد الثانوية ودار الطالب والطالبة، والتي ساهمت بشكل واضح في التخفيف من وطأة البعد الجغرافي على الأسر لتعليم أبنائها، وتأجيل فكرة الهجرة لسنوات أخرى.

هذا، وتعيش الساكنة حالة هجرة نفسية مستمرة، وهي تراقب حالة “الهروب الجماعي” الى المناطق السهلية،  لكل من استطاع الى ذلك سبيلا، بفعل العوامل السابقة، وكذا بالنظر الى صعوبة تضاريس المنطقة، وعدم اقتناع موظفي الدولة المزاولين هناك، بالاستقرار فيها لمدد طويلة، في أفق خلق بيئة حضرية، قد تساعد على الدفع بتنمية مركز الجماعة، واعتبارها منطقة عبور مؤقتة ليس إلا.

جماعة بركين، تحتاج الى وقفة عاجلة وكبيرة من طرف الدولة، لتحليل هذه المعطيات، وإعطائها الأولية القصوى في برامج التنمية المختلفة، للحفاظ  على ما تبقى من رصيد غابوي وحيواني، ومن رأس مال بشري يشكل الحارس الأمني الأول لتلك الربوع من هذا الوطن العزيز.

اظهر المزيد

جرسيف سيتي

موقع إخباري مستقل، يهتم بالشأن المحلي والوطني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى