محمد أزروال

15 غشت..أو مقصلة المواقع!

يجمع المتتبعون على أن المشرع لم يكن مرِنا بالمرة عند تقنينه واعترافه بالصحافة الإلكترونية بمقتضى قانون الصحافة والنشر الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ في 15 غشت المقبل، بل كان صارما ولم يراع تطورات الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، ولا الفراغ الذي تملؤه المواقع المحلية والجهوية واضطلاعها بمهمة إعلام القرب.

لقد جاء وفيا للمنطق الكلاسيكي السائد لدى الصحافة الورقية المحترفة منذ عقود على حساب الصحافة الالكترونية “الهاوية”، التي يسهل التحكم فيها وترويضها إن جاز التعبير، بخلاف المجال الرقمي الذي لن تستطيع القوانين الحد من تدفق المعلومات عبره، بقدر ما ستزيد من تكريس “تأخر رقمي” سيقيد بشكل كبير تطور الصحافة الإلكترونية بالمغرب، وستزيد في المقابل من الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة.

فبالاطلاع وبقراءة عابرة لمضامين رزنامة قوانين الصحافة التي صدرت عن البرلمان، ونشر بعضها قبل عام في الجريدة الرسمية، يتضح جليا مدى صعوبة مسايرة أغلب المنابر الإلكترونية الإخبارية لشروط “العيش”، ويفتح الباب على مصراعيه لموت إعلام خدم بسخاء مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب المعاصر وأتاح لها سرعة نشر الخبر وسهولة الوصول إليه بالصوت والصورة والتعليق.

فإذا كان الجميع ينادي بضرورة ضبط مجال الإعلام الإلكتروني منذ سنوات، وقطع الطريق على من هب ودب لإنشاء موقع والتطفل على المهنة النبيلة، وكذا عدم الجمع بين الوظيفة العمومية أو العمل في القطاع الخاص وبين مهنة الصحافة، تبعا لمنطق الأشياء وتماشيا مع حالة التنافي التي يجرمها القانون، فإن أغلب المشتغلين في الإعلام الإلكتروني – ومعظمهم شباب تتفاوت درجات مستوياهم التعليمية – قد أصيبوا بالصدمة بعد علمهم ببعض مضامين قانون الصحافة والنشر، قبيل العلم بتصريح السيد وزير الاتصال والثقافة الذي هدد، في تصريح لهسبريس في شهر يونيو الماضي، المواقع بغرامات “خيالية” في حال عدم ملاءمتها مع القانون الجديد.

وقبل استعراض بسيط لبعض مضامين قوانين الصحافة والنشر، وجب التأكيد على أن جل المشتغلين في الاعلام الإلكتروني سيضطرون مكرهين إلى ترك المهنة التي أحبوها لأزيد من عقد من الزمن كان حافلا بالعطاء وبالجهد الكثير مقابل اعتراف قليل ومدخول زهيد، ولم يبالوا على ما يبدو بتلك التشريعات ولم يعيروها أي اهتمام، إلاّ قبيل دخولها حيز التنفيذ في منتصف الشهر القادم، وبعد سنة من الإصدار في الجريدة الرسمية.

التشريعات المتعلقة بقطاع الصحافة والنشر جاءت في ثلاثة قوانين تكمل بعضها البعض، بعد تقييم للتجربة واستجابة لمطالب المهنيين لعصرنة المجال وجعله أكثر حرية وفعالية ويتماشى مع مستجدات العصر، إضافة الى الاستجابة الى بعض الحقوق الاجتماعية للعاملين به والنص على امتيازات تتيحها بطاقة الصحافة.

فالقانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة – الذي سيحل محل وزارة الثقافة والاتصال – جاء ليختص بشكل حصري في منح بطاقة الصحافة وحدد شروطها، ومنها توفر الصحافي على شهادة الإجازة أو ما يعادلها في الإعلام، إضافة إلى ملكية الموقع الإلكتروني لشركة لديها إيداع قانوني لدى المحكمة التي يوجد مقرها بدائرة اختصاصها الترابي.

أما قانون 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين الذي نسخ القانون السابق رقم 21. 94، فنص في المادة 15 على أنه “لا يجوز للصحافي المهني أو المتدرب (المشتغل لأقل من سنة) أن يكون أجيرا إلا في مؤسسة صحافية واحدة”، اللهم إذا وافقت منشأته الصحافية التي تشغله على ذلك. وهذا في الواقع أمر مستبعد ما عدا إذا كان الصحافي يقدم خدمات للموقع بشكل مناسباتي أو غير منتظم.

كما أن القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر عرّف الصحيفة الإلكترونية بأنها “كل إصدار يجري تحيينه بانتظام ويتم باسم نطاق خاص بها، ونظام لإدارة المحتوى موجه للعموم عبر شبكة الانترنت وعبر آليات التكنولوجيا الحديثة التي تشكل امتدادا لها. وينشر عبر شخص ذاتي أو اعتباري خدمةَ الصحافة الإلكترونية”. وأوجبت المادة 15 من القانون نفسه على كل مطبوع دوري أو صحيفة الكترونية أو أية دعامة الكترونية أخرى، طبقا لما ورد في المادة 2، أن تعتمد مديرا للنشر.

من ناحية أخرى، ينص القانون المذكور على وجوب أخذ تصريح من لدن وكيل الملك بنشر أي مطبوع أو صحيفة إلكترونية داخل أجل 30 يوما قبل تاريخ الإصدار المرتقب. كما تلتزم الصحف الإلكترونية، حسب قانون الصحافة والنشر الجديد، بالمقتضيات الواردة في القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

ويمكن لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور الاستعجالية، بناء على ملتمس من النيابة العامة قبل البت في موضوع المادة الصحافية، أن يأمر بالسحب المؤقت لها وتعطيل الولوج إليها، إذا تعلق الأمر بجرائم منصوص عليها على سبيل الحصر في القانون ذاته.

ولأن القانون ينقسم دائما إلى شق مسطري إجرائي وآخر زجري، فقد رتب قانون الصحافة والنشر الجديد جزاءات قاسية على أي مخالفة كانت إلى عهد قريب هي السائدة لدى جل المواقع الإلكترونية. فنص على تعرض كل من قام بالاستنساخ الكلي أو الجزئي لمواد إعلامية إلكترونية أصلية، دون ترخيص مسبق من صاحب الحق، للجزاءات المنصوص عليها في التشريع المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

كما يعاقب بغرامة من 2000 الى 10000 درهم مالك المطبوع الدوري أو الصحيفة الإلكترونية أو المستأجر المسير لهما وعند عدم وجودهما مدير النشر، وعند عدم وجوده الطابع وعند عدم وجوده الموزع وعند عدم وجوده المضيف بالنسبة للصحف الإلكترونية، اللذان لم يكونا موضوع تصريح مسبق، “عند الامتناع عن القيام بالإجراءات يعاقبون بـ 20000 درهم عند كل نشر جديد ابتداء من يوم النطق بالحكم”.

مقتضيات قانونية يراها مهنيو الإعلام الرقمي ظالمة وستفوت على بلادنا فرصا لتطور الحريات والعرض الصحافي، وبقدر ما هي ستحد من إعلام القرب وتفاعله مع محيطه بالسرعة والفعالية المطلوبتين، فإنها في المقابل ستفرض على البعض اللجوء إلى تقنيات أخرى للتحايل على النشر، كما هو الحال من خارج المغرب على اعتبار أن جل الشركات المستضيفة للمواقع هي دولية. إضافة إلى ذلك سينشط موقع “فيسبوك” على وجه التحديد بقوة كبديل واقعي للمواقع الإلكترونية.

إن تنظيم أي قطاع وتقنينه يفرض بالضرورة عدم الإضرار بمصالح الفئات التي تشتغل فيه بأثر رجعي، غير أن القانون الجديد – في شقه الإلكتروني على الأقل – جاء مخيبا للآمال ولم يراع أحلام وتطلعات آلاف المشتغلين فيه، ويقول لهم بالدارجة المغربية: سمحوا لينا، “كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا”، صدق الله العظيم.

*نشر بالجريدة الإلكترونية هسبريس

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى